مقدمة للتعريف بمدلول الكلمة ونسب إنتشار الحالة:
إن تعريف الإجهاض علمياً يختلف بعض الشئ عن ما يتبادر لذهن الشخص العادى ، فالطب يطلق هذا المسمى على أى حالة حمل ينمو داخل تجويف الرحم ويعانى فى أى وقت قبل الأسبوع 26 (نهاية الشهر السادس) من نزيف أو إنقباضات بالرحم أو تأخر فى النمو أو إنفجار جيب السائل الأمنيوسى المحيط بالجنين. وبالتالى، فإن الكثير من الحالات التى تندرج تحت ذلك التعريف ما زالت تستطيع التعافى وإستمرار الحمل والإنتهاء على خير.
اما عن نسب إنتشار حالات الإجهاض ، فهى تقريباً تحدث فى حالة من بين كل 6-8 حالات حمل (12-15%) ، ولكن معظم هذه الحالات تندرج تحت مُسمى “الإجهاض المُنذِر” ويستطيع أغلبها التعافى وإستمرار الحمل فى أكثر من 75% من الأحوال. ويجب هنا أن أوضح أن معظم حالات الإجهاض لا تتكرر إلا نادراً ، وبالتالى فإن إحتمال حدوث الإجهاض المتكرر (فى 3 مرات متتالية) هو أقل بكثير ، حيث يحدث فى حوالى 2-3% من الحوامل فقط.
مجموعات المرضى الأكثر تعرضاً لحدوث الإجهاض:
هناك بعض مجموعات من السيدات يكون إحتمال الإجهاض فيهن أعلى من غيرهن من الحوامل. وأهمهن من كان عمرها متقدم عن 35 سنة ، حيث أن سن المرأة هو أقوى العوامل التى تؤثر فى تكوين الصفة الوراثية داخل الجنين ، وحيث أن خلل تلك الصفات الوراثية هو أشهر أسباب الإجهاض.
وكذلك فإن هناك مجموعات أخرى من السيدات يكون إحتمال الإجهاض بينهن مرتفعاً أكثر من النسب المتوسطة. فمثلاً السمنة المفرطة ، وإرتفاع عدد مرات الحمل السابقة ، والفقر أو ضعف مستوى التعليم ، وسابق حالات الإجهاض ، كلها أسباب ترفع من إحتمال الإجهاض نتيجة سوء الصحة العامة للسيدة.
وبالطبع ، فإن العادات الصحية السيئة أو المضرة يكون لها تأثير واضح على نسب حدوث الإجهاض. فنجده مثلاً أكثر شيوعاً مع التدخين أو حتى التدخين السلبى (أى من تتعرض لدخان السجائر بكثافة فى محيط حياتها فى المنزل أو العمل) ، أو المكيفات بأنواعها جميعاً بما فيها السكريات والكافيين ، وشرب الكحول وتعاطى المخدرات.
أهم أسباب الإجهاض:
هى غالباً تكون نتيجة عيب وراثى فى الجنين يحدث بالصدفة من بويضة أو حيوان منوى ضعيف بين ملايين البويضات والحيوانات المنوية السليمة فى الجسم. ولأن رحمة الله تختار الحمل السليم ليكتمل فإن هذه الحالات غالباً تنتهي بالإجهاض حتى تكون هناك فرصة جديدة لتكوين جنين سليم يؤدي لطفل صحته متكاملة إن شاء الله. وفى بعض الأحوال النادرة تكون هذه العيوب موروثة من الأسرة، حيث أن معظمها يحدث بالصدفة عند مرحلة تكون خلايا الجنين.
وقد يكون السبب هو حدوث عدوى أثرت فى سلامة الجنين ، فهناك العديد من الميكروبات وخصوصاً الفيروسات التى قد تضر بصحة وسلامة الأجنة ، مثل فيروس الحصبة الألمانى أو الجديرى المائى. وأيضاً قد يكون السبب هو وجود ميكروبات بصورة مزمنة فى عنق الرحم تؤدي لثقب كيس السائل الأمنيوسى الذى ينمو داخله الجنين.
كما قد يحدث الإجهاض نتيجة عيب خلقى أو تشوهات فى تجويف الرحم أو وجود ضيق داخل تجويف الرحم نتيجة إلتصاقات أو أورام حميدة. وقد يكون السبب فى ضعف عنق الرحم ، وهو بمثابة البوابة التى تحافظ على الجنين داخل الرحم.
وأحياناً قد يكون السبب فى صحة الأم العامة مثل أمراض السكر والغدد والمناعة. أو فى أمراض مختلفة تؤدي لتجلط الدم في شرايين الرحم والمشيمة مما يضعف الحمل. وقد يكون السبب وجود خلل فى أحد هرمونات الجسم مثل حالات تكيس المبيض ، أو إرتفاع هرمون البرولاكتين المسئول عن إدرار لبن الثدى أثناء الرضاعة ، أو مشكلات الغدة الدرقية.
وأخيراً ، قد يحدث الإجهاض أحياناً لسبب غير مفهوم أو بدون تفسير واضح ، أو قد يحدث بعد أى مرض شديد وخارج عن السيطرة سواء الأمراض الطارئة كالحمى مثلاً أو الأمراض المزمنة كالفشل الكلوى.
عدوى مرض القطط (توكسوبلازما) و الفيروسات المختلفة:
إن الإصابة بهذه الأمراض يكون خطر فقط إذا حدثت العدوى أثناء الحمل (وهو أمر نادر جداً) ، كما أنها تسبب إجهاض مرة واحدة فقط ، وليس بصورة متكررة. ولذلك فالوقاية منها مهمة جداً لتفادى حدوث العدوى فى المقام الأول ، حيث أن تشخيص وعلاج هذه الأمراض أثناء الحمل يكون صعباً ، ولا يحمل أى فرص عالية لتفادى الإجهاض. وتكون الوقاية أساساً بإتباع أسلوب حياة صحية ونظيفة من حيث عادات الأكل والنظافة الشخصية ونظافة اليدين والمأكل والمسكن. كما أن بعض تلك الميكروبات (مثل فيروس الحصبة الألماني) يوجد لها تطعيمات من الممكن أخذها قبل بداية الحمل لأنها تطعيمات ممنوعة أثناء الحمل نفسه.
إكتشاف وتشخيص أسباب الإجهاض:
يكون ذلك بإستشارة طبيب متخصص بالتعاون مع خبير وراثة في بعض الأحوال. حيث يحتاج التشخيص للفحص الطبي العام وعمل فحص بالموجات الصوتية وبعض تحاليل الدم. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن بعض الحالات لا يكتشف فيها أي سبب عضوى. وبالرغم من أن ذلك أحياناً يسبب حيرة وإحباط للزوجين ولكنه في الحقيقة علامة مطمئنة حيث أنه يعطى فرصة أحسن لنجاح الحمل القادم فى غياب سبب قد يتكرر فى المستقبل.
أساليب علاج الإجهاض:
أولاً ، فى حالات الإجهاض المنذر الذى تكون له فرصة فى الإستمرار والنجاح ، يجب على السيدة أن تراعى صحتها العامة بالراحة والتغذية المناسبة وتفادى العادات الصحية المضرة. كما يجب البحث عن سبب الأعراض لأخذ العلاج المناسب ، فمثلاً ضعف هرمون التثبيت يمكن علاجه بالأقراص أو اللبوس أو الحقن حسب شدة الحالة. وكذلك مشاكل التجلط والمناعة أصبح لها العديد من الأدوية التى تناسب الحمل.
ولكن ، فى الحقيقة ، أهم خطوة هى التأكد أولاً من سلامة الجنين من العيوب أو التشوهات ويكون ذلك بالفحص الدقيق عن طريق الموجات فوق الصوتية.
أما فى الحالات التى يكون فيها الجنين قد توفى أو بدأ الرحم فى لفظه ، فيكون الهدف هو تنظيف الرحم من بقايا الحمل حتى لا تحدث عدوى أو نزيف. ويكون ذلك بالأدوية التى تزيد من إنقباضات الرحم ، أو بالأساليب الجراحية المختلفة تبعاً لحجم الرحم وعمر الحمل.
وفى بعض الأحيان ، وخصوصاً فى الحالات المبكرة فى بدايات الحمل ، يكون من الممكن السماح بالإجهاض الطبيعى دون أدوية أو جراحة. ولكن مثلما يحدث بعد الأساليب الأخرى ، فإنه من الضرورى جداً التأكد من عدم تبقى أى بقايا للحمل داخل تجويف الرحم بعد إكتمال الإجهاض حتى لا تسبب إلتهاب أو عدوى أو نزيف.
وأخيراً أحب أن أؤكد أنه فى غياب سبب واضح ، فإن فرصة نجاح الحمل القادم تزيد عن 70% حتى بدون أى علاج.
مع أطيب تمنياتى بدوام الصحة والسعادة